من طرف miss_zahra 12/11/2008, 8:49 pm
الشفافية والبنيةخلافا لأشكال التمويه الأخرى، فإن الشفافية تشمل الجسم بكامله وليس سطحه الخارجي فقط. وتُبرز هذه الحقيقة بضع مشكلات آسرة بادَرَ التطور إلى حلها بطرق بارعة.
يمكن مشاهدة بعض الحلول بالعين المجردة. فبعض هذه المخلوقات يكون مسطحا ورقيقا، لأن الأشياء الرقيقة تُنفذ مزيدا من الضوء. فإذا كان سنتيمتر من حلزون شفاف يسمح بمرور جزء من تسعة أجزاء من الضوء عبره، فإن نصف السنتيمتر يسمح لثلث الضوء بالمرور. كما أن التسطح flatness يجعل من الصعب رؤية الحيوان مُجانَبةً. وقد استفاد بعض المخلوقات مثل اليرقات السمكية المدعوة لِپتوسيفالَسْ
(3) leptocephalus، من هذه الميزة إلى أبعد الحدود، فغدت أشبه برقاقات حية لا يزيد سمكها على مليمتر أو مليمترين ويصل طولها إلى عشرات السنتيمترات. كما أن هناك هلامات مشطية comb jellies معينة تحمل الاسم الرومانسي المثير «زنّار ڤينوس» Venus's girdle، تكون أجسامها طويلة ومسطحة كالزنار (الحزام). وكذلك تكون صغار الكركند (جراد البحر) الكاريبي الشائك Caribbean spiny lobsters في حجم قطعة نصف الدولار ومسطحة مثل الورقة. ولعل الطريقة الوحيدة لاكتشافها تكمن في تحقيق نظرة خاطفة لظلالها.
وتتضمن التغيرات الواضحة الأخرى أجزاء من الجسم لا يمكن جعلها شفافة لأسباب مادية؛ إذ لما كان لا بد لشبكيات العيون أن تمتص الضوء كي ترى، فإن جزءا من العيون على الأقل يبقى مرئيا على الدوام. وقد ظهرت ثلاثة حلول لهذه المشكلة. فبعض الكائنات الحية تمتلك عيونا تقع على نهايات سويقات طويلة بقصد إبعاد تلك العيون قدر المستطاع. وبعضها الآخر، كما في الحيوان القشري المسمى فرونيما Phronima [انظر الشكل في الصفحة 28]، يمتلك شبكيات مرصوصة بكثافة ويستعمل موصلات conduits طبيعية تشبه كَبْلات ألياف بصرية يعبرها الضوء وصولا إلى تلك الشبكيات. وهناك مجموعة ثالثة، كما في الحيوان القشري الكبير المسمى سيستوسوما Cystosoma [انظر الشكل في الصفحة 31]، يمتلك عيونا ضخمة ذات شبكيات شاحبة رقيقة تحت القرنية مباشرة.
إن النتوءات الدقيقة tiny bumps التي تغطي السطح الخارجي لجسم مخلوق شفاف يمكن أن تحسّن من درجة اختفائيته عبر تقليل الانعكاسات. فالنتوءات ذات العرض الذي يقل عن نصف طول موجة الضوء الساقط عليها ليس لها معامل انكسار واضح، بل إن معامل الانكسار يكون مساويا لمتوسط معاملات انكسار النتوءات والوسط المحيط. ولكن لما كانت النتوءات مستدقة الطرف على نحو تدريجي، فإن المادة عند قواعدها تكون أكثر منها عند القمم. وهكذا يتحول معامل الانكسار تحولا سلسا من معامل المادة إلى معامل الوسط. وهذا التحول التدريجي يتداخل مع قابلية السطح ذي النتوءات لكسر الضوء. |
وتُعد المعدة عضوا آخر يبقى مرئيا على الدوام. ولا يكمن السبب في المعدة نفسها، بل في محتوياتها التي تضم حيوانات أو نباتات مهضومة جزئيا، وهي معتمة في العادة. وفي بعض الحيوانات التي يمكن الرؤية خلالها تكون المعدة إبرية الشكل وذات توجه نحو الأسفل على الدوام مهما كان اتجاه الحيوان. ويمكن لهذا التدبير أن يكون فعّالا؛ لأن العديد من الضواري تبحث عن فرائسها عن طريق النظر إلى أعلى بحثا عن الظلال التي تتكون قبالة الضوء الوارد من سطح البحر. وهناك استراتيجية أخرى تتمثل في حجب (إخفاء) المعدة بنسيج عاكس للضوء؛ ويكون مثل هذا النسيج في عرض البحر ـ كالمرآة ـ غير مرئي، لأن الضوء الذي يعكسه لا يميز عن الضوء الذي يقع خلفه. ونذكر هنا أن هذا المبدأ يفسر سبب كون الكثير جدا من الأسماك تمتلك حراشف فضية تشبه المرايا على السطح الخارجي من أجسامها.
ويعد الجلدُ العضوَ المزعج الثالث، لأنه يعكس على الدوام بعض الضوء ـ ولو جزئيا. وتتغلب بعض الحيوانات على ذلك بامتلاكها أشكالا جسدية بسيطة تقلل من كمية الجلد وتعقيد الانعكاسات. وعلى نحو أقل شيوعا، ولكن أكثر إثارة، تمتلك بعض المخلوقات على سطح أجسامها أديمًا (نسيجا) texture كثير النتوءات المجهرية التي تقلل إلى حد كبير ظاهرة الانعكاسية reflectivity على نحو رائع دقيق.
لقد كانت هذه الاستراتيجية موضوع نشرة علمية حديثة من قبل <A. پاركر> [من المتحف الأسترالي في سدني]. فهي تعتمد على معامل انكسار المادة الذي يدل على مدى سرعة عبور الضوء داخل المادة. فالضوء يعبر في المادة ذات معامل الانكسار العالي بصورة أبطأ من عبوره في المادة ذات معامل الانكسار المنخفض.
فإذا كان لسطح ما عدد كبير من النتوءات (الحدبات) التي يقل حجمها عن نصف طول موجة الضوء الساقط عليها، فإن السطح بأكمله يعمل بوصفه مادة منتظمة uniform ذات معامل انكسار يساوي متوسط معامل انكسار النتوءات والوسط المحيط بها (الذي هو الماء في موضوعنا). ولما كان قعر النتوء أكبر من سطحه العلوي، فإن معامل الانكسار عند القعر يكون أكثر قربا من معامل انكسار المادة، التي تكون عادة أعلى من معامل انكسار الماء. وللسبب نفسه يكون معامل الانكسار أقل بالقرب من السطح العلوي للنتوءات.
وهكذا، يحدث ازدياد وئيد ـ وليس مفاجئا ـ في معامل الانكسار مرورا من الماء المحيط إلى جسم الحيوان، ويقلل هذا الانتقال الوئيد من مقدار الانعكاس. وفي الحقيقة إن هذا الأمر يعمل بطريقة جيدة جدا، مما استدعى مصممي العدسات اليوم إلى استعمال ذلك المبدأ لتحسين طلاء coating العدسات في البصريات العالية الأداء. ويُذكر أن مؤسسة نورثروب گرومان Northrop Grumman استخدمته في طائراتها الشبح القاذفة للقنابل من الطراز B2 بغية تقليل الانعكاسات الرادارية عن سطح الطائرة.